اللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ * وَأمِدَّنَا باْلأَسْرَار الَّتِيْ أوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ
وَكَانَ
يَلْبَسُ لِبَاسَ الْعُلَمَاءِ *
وَيَتَطَيْلَسُ وَيَرْكَبُ الْبَغْلَةَ *
وَتُرْفَعُ الْغَاشِيَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ *
وَإذاَ تَكَلَّمَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ *
وَكَانَ فِيْ كَلاَمِهِ سُرْعَةٌ وَجَهْرٌ * وَرُبَّمَا
خَطَا فِي الْهَوَاءِ عَلَى رُؤُوْسِ اْلأَشْهَادِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى
الْكُرْسِيِّ * وَكَانَ وَقْتُهُ كُلُّهُ
مَعْمُوْرًا بالطَّاعَاتِ *
قَالَ خَادِمُهُ
الشَّيْخُ أبُوْ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْفّتَّاحِ الْهَرَويُّ :
خَدَمْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مُدَّةَ أرْبَعِيْنَ
سَنَةً * وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ
بوُضُوْءِ الْعِشَاءِ هذِهِ الْمُدَّةَ كُلَّهَا *
وَكَانَ إذاَ أحْدَثَ جَدَّدَ فِيْ وَقْتِهِ وُضُوْءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ * وَكَانَ إذاَ صَلَّى الْعِشَاءَ ، دَخَلَ خَلْوَتَهُ ، فَلاَ يُمْكِنُ أحَدٌ أنْ
يَدْخُلَهَا مَعَهُ وَلاَ يَفْتَحَهَا * وَلاَ
يَخْرُجُ مِنْهَا إلاَّ عِنْدَ طُلُوْعِ الْفَجْرِ *
وَلَقَدْ أتَاهُ الْخَلِيْفَةُ مِرَارًا باللَّيْلِ يَقْصِدُ اْلاِجْتِمَاعَ بهِ ،
فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى ذلِكَ * وَقَاَل ابْنُ
أبي الْفَتْحِ : بتُّ لَيْلَةً عِنْدَهُ فَرَأيْتُهُ يُصَلِّيْ أوَّلَ اللَّيْلِ
يَسِيْرًا * ثُمَّ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى
إلى أنْ يَمْضِيَ الثُّلُثُ اْلأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ *
ثُمَّ يَقُوْلُ : الْمُحِيْطُ الرَّبُّ الشَّهِيْدُ الْحَسِيْبُ الْفَعَّالُ
الْخَلاَّقُ الْخَالِقُ الْبَارئُ الْمُصَوِّرُ تِسْعَةُ ألْفَاظٍ * وَيَرْتَفِعُ فِي الْهَوَاءِ إلى أنْ يَغِيْبَ
عَنْ بَصَرِيْ * ثُمَّ يُصَلِّيْ قَائِمًا
عَلَى قَدَمَيْهِ يَتْلُو الْقُرْآنَ إلَى أنْ يَذْهَبَ الثُّلُثُ الثَّانِيْ * وَكَانَ يُطِيْلُ سُجُوْدَهُ جِدًّا * ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَوَجِّهًا مُرَاقِبًا إلَى
طُلُوْعِ الْفَجْرِ * ثُمَّ يَأْخُذُ فِي
اْلاِبْتِهَالِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّذَلُّلِ *
وَيَغْشَاهُ نُوْرٌ يَكَادُ يَخْطَفُ باْلأَبْصَار *
إلَى أنْ يَغِيْبَ فِيْهِ عَنِ النَّظَرِ * قَالَ
: وَكُنْتُ أسْمَعُ عِنْدَهُ (سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ) وَهُوَ
يَرُدُّ السَّلاَمَ إلَى أنْ يَخْرُجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ * وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُوْلُ : لاَ
يَنْبَغِيْ لِفَقِيْرٍ أنْ يَتَصَدَّى وَيَتَصَدَّرَ لإِرْشَادِ النَّاسِ إلاَّ
أنْ أعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ *
وَسِيَاسَةَ الْمُلُوْكِ وَحِكْمَةَ
الْحُكَمَاءِ * قَالَ : وَرُفِعَ
إلَيْهِ مَرَّةً ، شَخْصٌ نادَّعَى أنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى
بعَيْنَيْ رَأسِهِ * فَقَالَ : أحَقٌّ مَا
يَقُوْلُوْنَ عَنْكَ ؟ * فَقَالَ : نَعَمْ * قَالَ : فَزَجَرَهُ وَانْتَهَرَهُ وَعَاهَدَهُ
عَلَى أنْ لاَ يَعُوْدَ إلَى ذِكْرِ ذلِكَ * ثُمَّ
الْتَفَتَ الشَّيْخُ إلَى الْحَاضِرِيْنَ السَّائِلِيْنَ لَهُ : أَمُحِقٌّ هَذاَ أَمْ مُبْطِلٌ ؟ *
فَقَالَ : هُوَ مُحِقٌّ فِيْ قَوْلِهِ ، مُلْتَبَسٌ عَلَيْهِ * وَذَلِكَ : أنَّهُ شَهِدَ ببَصِيْرَتِهِ نُوْرَ
الْجَمَالِ * ثُمَّ خُرِقَ مِنْ بَصِيْرَتِهِ
مَنْفَذٌ، فَرَأى بَصَرُهُ بَصِيْرَتَهُ ـ وَشُعَاعُهَا مُتَّصِلٌ بنُوْر
شُهُوْدِهِ * فَظَنَّ أَنَّ بَصَرَهُ رَأَى
مَا شَهِدَتْهُ بَصِيْرَتُهُ * وَإِنَّمَا رَأَى
نُوْرَ بَصِيْرَتِهِ فَقَطْ ـ وَهُوْ لاَ يَدْريْ *
فَاضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ وَالصُّوْفِيَّةُ مِنْ سَمَاعِ ذلِكَ الْكَلاَمِ
وَدُهِشُوْا * قَالَ : وَذُكِرَ ؛ أَنَّهُ
يُرَى لَهُ مَرَّةً مِنَ الْمَرَّاتِ نُوْرٌ عَظِيْمٌ أضَاءَ بهِ اْلأُفُقُ * وَبَدَى لَهُ فِيْ ذلِكَ النُّوْر صُوْرَةٌ * فَنَادَتْنِيْ : يَا عَبْدَ الْقَادِر ! أَناَ
رَبُّكَ وَقَدْ أَبَحْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ *
فَقُلْتُ : أعُوْذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ ، اخْسَأْ يَا
لَعِيْنُ * قَالَ : فَإِذاً بذَلِكَ النُّوْرِ
ظُلاَمٌ * وَالصُّوْرَةِ دُخَانٌ * ثُمَّ صَرَخَ : يَا عَبْدَ الْقَادِرِ ! نَجَوْتَ
مِنِّيْ بعِلْمِكَ بِحُكْمِ رَبِّكَ ، وَفِقْهِكَ فِيْ إِحْكَامِ مَنَازلِكَ * وَلَقَدْ أَضْلَلْتُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ
سَبْعِيْنَ مِنْ أهْلِ الطَّرِيْقِ * فَقُلْتُ
: لِرَبِّيَ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ * فَقِيْلَ
لِلشَّيْخِ : بِمَ عَرَفْتَ أنَّهُ شَيْطَانٌ ؟ *
فَقَالَ : مِنْ قَوْلِهِ : أَبَحْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ * فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَأْمُرُ بالْفَحْشَاءِ *اللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ * وَأمِدَّنَا باْلأَسْرَار الَّتِيْ أوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ
وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ
يُعَظِّمُ اْلأَغْنِيَاءَ * وَلاَ يَقُوْمُ
لأَحَدٍ مِنَ اْلأُمَرَاءِ * وَلاَ أرْكَانِ
الدَّوْلَةِ * وَكَانَ كَثِيْرًا يَرَى
الْخَلِيْفَةَ قَاصِدًا لَهُ * وَهُوَ جَالِسٌ
، فَيَدْخُلُ خَلْوَةً * ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى الْخَلِيْفَةِ بَعْدَ وُصُوْلِهِ * إعْزَازًا
لِطَرِيْقِ الْفُقَرَاءِ ، وَلِئَلاَّ
يَقُوْمَ لِلْخَلِيْفَةِ * وَمَا
وَقَفَ ببَابِ وَزيْرٍ وَلاَ سُلْطَانٍ *
وَلاَ قَبلَ هَدِيَّةً مِنَ الْخَلِيْفَةِ قَطُّ *
حَتَّى عَتَبَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُوْلِهِ هَدِيَّتَهُ *
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : أَرْسِلْ مَا بَدَا لَكَ وَاحْضُرْ مَعَهُ * فَحَضَرَ الْخَلِيْفَةُ عِنَد الشَّيْخِ ـ
وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ التُّفَّاحِ * وَإذاَ
كُلُّ تُفَّاحَةٍ مَحْشُوٌّ دَمًا وَقَيْحًا *
فَقَالَ لِلْخَلِيْفَةِ : كَيْفَ تَلُوْمُنَا عَلَى عَدَمِ أكْلِنَا مِنْ هَذاَ ،
وَكُلُّهُ مَحْشُوٌّ بدِمَاءِ النَّاسِ ؟ *
فَاسْتَغْفَرَ الْخَلِيْفَةُ وَتَابَ عَلَى يَدَيْهِ *
وَكَانَ يَأْتِيْ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَي الشَّيْخِ كَآحَادِ النَّاسِ وَصَحِبَهُ إِلَى
أَنْ مَاتَ * وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَعَ جَلاَلَةِ قَدْرِهِ * وَبُعْدِ صِيْتِهِ * وَعُلُوِّ ذِكْرِهِ *
يُعَظِّمُ الْفُقَرَاءَ ، وَيُجَالِسُهُمْ *
وَيَفْلِيْ لَهُمْ ثِيَابَهُمْ * وَكَانَ
يَقُوْلُ : الْفَقِيْرُ الصَّابرُ أفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ * وَالْفَقِيْرُ الشَّاكِرُ أفْضَلُ مِنْهُمَا * وَالْفَقِيْرُ الصَّابرُ الشَّاكِرُ أفْضَلُ مِنَ
الْكُلِّ * وَمَا أحَبَّ الْبَلاَءَ
وَالتَّلَذُّذَ بهِ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ الْمُبْلِيْ *
وَكَانَ يَقُوْلُ : اِتَّبعُوْا وَلاَ تَبْتَدِعُوْا *
وَأطِيْعُوْا وَلاَ تَمْرُقُوْا *
وَاصْبِرُوْا وَلاَ تَجْزَعُوْا *
وَانْتَظِرُوا الْفَرَجَ وَلاَ تَيْأَسُوْا *
وَاجْتَمِعُوْا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَتَفَرَّقُوْا * وَتَطَهَّرُوْا بالتَّوْبَةِ عَنِ الذُّنُوْبِ
وَلاَ تَتَلَطَّخُوْا * وَعَنْ بَابِ
مَوْلاَكُمْ لاَ تَبْرَحُوْا * وَكَانَ
يَقُوْلُ : لاَ تَخْتَرْ جَلْبَ النَّعْمَاءِ وَلاَ دَفْعَ الْبَلْوَى * فَإِنَّ النَّعْمَاءَ وَاصِلَةٌ إلَيْكَ
بالْقِسْمَةِ ـ اسْتَجْلَبْتَهَا أمْ لاَ *
وَالْبَلْوَى حَالَّةٌ بكَ ـ وَإنْ كَرِهْتَهَا *
فَسَلِّمْ لِلَّهِ فِي الْكُلِّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ *
فَإنْ جَاءَتْكَ النَّعْمَاءُ فَاشْتَغِلْ بالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ * وَإنْ جَاءَتْكَ الْبَلْوَى فَاشْتَغِلْ
بالصَّبْرِ وَالْمُوَافَقَةِ * وَإنْ كُنْتَ أَعْلَى
مِنْ ذلِكَ فَالرِّضَا وَالتَّلَذُّذَ *
وَاعْلَمُوْا أَنَّ الْبَلِيَّةَ لَمْ تَأْتِ الْمُؤْمِنَ لِتُهْلِكَهُ * وَإنَّمَا أتَتْهُ لِتَخْتَبِرَهُ * وَكَانَ يَقُوْلُ : لاَ يَصْلُحُ لِمُجَالَسَةِ
الْحَقِّ تَعَالىَ إلاَّ الْمُطَهَّرُوْنَ مِنْ رجْسِ الزَّلاَّتِ * وَلاَ يُفْتَحُ إلاَّ لِمَنْ خَلاَ عَنِ
الدَّعَاويْ وَالْهَوَسَاتِ * وَلَمَّا كَانَ
الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ عَدَمَ التَّطَهُّرِ ابْتَلاَهُمُ اللَّهُ تَعَالىَ
باْلأَمْرَاضِ كَفَّارَةً وَطَهُوْرًا *
لِيَصْلُحُوْا لِمُجَالَسَتِهِ وَقُرْبهِ ـ شَعَرُوْا بذَلِكَ أوْ لَمْ
يَشْعُرُوْا *
وَكَانَ يَقُوْلُ : إيَّاكُمْ أنْ تُحِبُّوْا أحَدًا أوْ تَكْرَهُوْهُ إلاَّ
بَعْدَ عَرْضِ أفْعَالِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ *
كَيْ لاَ تُحِبُّوْهُ بالْهَوَى *
وَتَبْغَضُوْهُ بالْهَوَى *
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Silahkan tinggalkan komentar anda untuk menambah silaturahim.