اللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ * وَأمِدَّنَا باْلأَسْرَار الَّتِيْ أوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ
وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ يَجْلِسُ الذُّبَابُ
عَلَى ثِيَابهِ ـ وِرَاثَةً لَهُ مِنْ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * فَقِيْلَ لَهُ فِيْ ذلِكَ * فَقَالَ أيُّ شَيْءٍ يَعْمَلُ الذُّبَابُ عِنْدِيْ ، وَلَيْسَ
عِنْدِيْ مِنْ دِبْسِ الدُّنْيَا وَعَسَلِ اْلآخِرَةِ ؟ *
وَمِنْ كَرَامَاتِهِ ؛ أنَّهُ جَلَسَ مَرَّةً يَتَوَضَّأُ ، فَقَذَرَ عَلَيْهِ
عُصْفُوْرٌ * فَرَفَعَ رَأسَهُ ، فَخَرَّ
الْعُصْفُوْرُ مَيْتًا * فَغَسَلَ الثَّوْبَ ،
ثُمَّ تَصَدَّقَ بهِ عَنِ الْعُصْفُوْر *
وَقَالَ : إنْ كَانَ عَلَيْنَا إثْمٌ فَهُوْ كَفَّارَتُهُ * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أيْضًا ؛ أنَّ امْرَأةً أتَتْهُ بوَلَدِهَا
لِتُشَوِّقَهُ إلَى صُحْبَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِر وَتُسَلِّكَهُ * فَأَمَرَهُ بالْمُجَاهَدَةِ وَسُلُوْكِ طَرِيْقِ
السَّلَفِ * فَرَأتْهُ يَوْمًا نَحِيْلاً ، وَرَأتْهُ
يَأْكُلُ خُبْزَ شَعِيْرٍ * وَدَخَلَتْ عَلَى
الشَّيْخِ ، وَوَجَدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَظْمَ دَجَاجَةٍ مَلْعُوْقَةٍ * فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْمَعْنَى فِيْ ذَلِكَ * فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَهُ عَلَى الْعِظَامِ ـ
وَقَالَ لَهَا "قُوْمِيْ بإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِيْ يُحْيي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيْمٌ" فَقَامَتِ الدَّجَاجَةُ سَوِيَّةً وَصَاحَتْ
"لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهْ ـ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللَّهْ ـ الشَّيْخُ عَبْدُ
الْقَادِر وَلِيُّ اللَّهْ" رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ *
فَقَالَ لَهَا : إذاَ صَارَ ابْنُكِ هَكَذاَ فَلْيَأْكُلْ مَا شَاءَ * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أيْضًا ؛ أنَّهُ مَرَّ بِمَجْلِسِهِ
حِدَأَةٌ فِيْ يَوْمٍ شَدِيْدِ الرِّيْحِ *
فَشَوَّشَتْ بصِيَاحِهَا عَلَى الْحَاضِرِيْنَ *
فَقَالَ : يَا ريْحُ خُذِيْ رَأْسَهَا ، فَوَقَعَتْ لِوَقْتِهَا مَقْطُوْعَةَ
الرَّأسِ * فَنَزَلَ عَنِ الْكُرْسِيِّ
وَأخَذهَا فِيْ يَدِهِ * وَأمَرَّ اْلأُخْرَى
عَلَيْهَا ، وَقَالَ "بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ" *
فَحَيَّتْ وَطَارَتْ سَوِيَّةً بإذنِ اللَّهِ تَعَالَى ـ وَالنَّاسُ يُشَاهِدُوْنَ
ذلِكَ * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ ؛ أنَّ أبَا عُمَرَ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيَّ ، وَأبَا
مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْحَقِّ الْحَرِيْمِيَّ ـ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالىَ ـ
قَالاَ : كُنَّا بَيْنَ يَدَي الشَّيْخِ بِمَدْرَسَتِهِ يَوْمَ اْلأَحَدِ ثَالِثَ
صَفَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ * فَتَوَضَّأَ الشَّيْخُ عَلَى
قَبْقَابهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ * فَلَمَّا
سَلَّمَ صَرَخَ صَرْخَةً عَظِيْمَةً * وَرَمَى
بفَرْدَةِ قَبْقَابهِ فِي الْهَوَاءِ ، فَغَابَتْ عَنْ أبْصَارناَ * ثُمَّ فَعَلَ ثاَنِيَةً كَذلِكَ باْلأُخْرَى * ثُمَّ جَلَسَ فَلَمْ يَتَجَاسَرْ أحَدٌ عَلَى
سُؤَالِهِ * ثُمَّ قَدِمَتْ قَافِلَةٌ مِنْ
بلاَدِ الْعَجَمِ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ يَوْمًا *
فَقَالُوْا : إنَّ مَعَنَا لِلشَّيْخِ نَذرًا *
فَاسْتَأْذنَّاهُ * فَقَالَ : خُذاهُ مِنْهُمْ
* فَأَعْطَوْنَا شَيْئًا مِنْ ذهَبٍ
وَثِيَابًا مِنْ حَرِيْرٍ وَخَزٍّ وَالْقَبْقَابَ بعَيْنِهِ * فَسَأَلْنَاهُمْ عَنِ الْمَعْنَى فِيْ ذلِكَ * فَقَالُوْا : بَيْنَمَا ـ نَحْنُ سَائِرُوْنَ
يَوْمَ اْلأَحَدِ ثَالِثَ صَفَرَ إذ خَرَجَتْ عَلَيْنَا عَرَبٌ لَهُمْ
مُقَدِّمَانِ * فَانْتَهَبُوْا أمْوَالَنَا * وَنَزَلْنَا عَلَى شَفِيْرِ الْوَادِيْ * فَقُلْنَا : لَوْ ذكَرْنَا الشَّيْخَ عَبْدَ
الْقَادِرِ فَنَذَرْنَا لَهُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِنَا سَلِمْنَا * فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ ذكَرْنَاهُ * وَجَعَلْنَا لَهُ شَيْئًا * فَسَمِعْنَا صَرْخَتَيْنِ عَظِيْمَتَيْنِ مَلأَتَا الْوَادِيَ ،
وَرَأيْنَاهُمْ مَذْعُوْرِيْنَ * فَظَنَنَّا أَنْ
قَدْ جَاءَهُمْ مِثْلُهُمْ يَأْخُذُهُمْ *
فَجَاءَنَا بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ : تَعَالَوْا إلَيْنَا ! وَخُذُوْا أَمْوَالَكُمْ
وَانْظُرُوْا مَا قَدْ دَهَمَنَا * فَأَتَوْا
بنَا إلَى مُقَدِّمَيْهِمْ ـ فَوَجَدْنَاهُمَا مَيْتَيْنِ * وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْدَةُ قَبْقَابٍ مُبْتَلَّةً بِمَاءٍ
* فَرَدُّوْا عَلَيْنَا مَا أَخَذُوْا * وَقَالُوْا لَنَا : إِنَّ لِهَذاَ اْلأَمْرِ
نَبَأً عَظِيْمًا * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ ؛
أنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أصْفِهَانَ ، لَهُ مَوْلاَةٌ تُصْرَعُ ، وَقَدْ أَعْيَتِ
الْمُعَزِّمِيْنَ * فَقَالَ الشَّيْخُ : هَذاَ
مَارِدٌ مِنْ وَادِيْ سَرَنْدِيْبَ وَاسْمُهُ خَانِسٌ *
فَإِذاَ صُرِعَتْ فَقُلْ فِيْ أُذُنِهَا : يَا خَانِسُ ! عَبْدُ الْقَادِر
الْمُقِيْمُ ببَغْدَادَ يَقُوْلُ لَكَ : لاَ تَعُدْ تَهْلِكْ * فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَغَابَ عِشْرِيْنَ سَنَةً * ثُمَّ قَدِمَ وَسُئِلَ وَأخْبَرَ أنَّهُ فَعَلَ
مَا قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ *
وَلَمْ يَعُدِ الصَّرْعُ إلَيْهَا إلَى اْلآنَ *
وَقَالَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ التَّعْزِيْمِ : مَكَثْتُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعِيْنَ
سَنَةً فِيْ حَيَاةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِر *
وَلاَ يَقَعُ فِيْهَا صَرْعُ عَلَى أَحَدٍ *
فَلَمَّا مَاتَ وَقَعَ الصَّرْعُ * وَمِنْ
كَرَامَاتِهِ أيْضًا ؛ أنَّ ثَلاَثَةً مِنْ أَشْيَاخِ جِيْلاَنَ أَتَوْا إِلَى زِيَارَتِهِ
قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ * فَلَمَّا دَخَلُوْا
عَلَيْهِ رَأَوُا اْلإِبْرِيْقَ مُوَجَّهًا إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ * وَالْخَادِمُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ * فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ
كَالْمُنْكِرِيْنَ عَلَيْهِ ، بسَبَبِ تَوَجُّهِ اْلإِبْرِيْقِ لِغَيْرِ جِهَةِ
الْقِبْلَةِ ، وَقِيَامِ الْخَادِمِ بَيْنَ يَدَيْهِ *
فَوَضَعَ الشَّيْخُ كِتَابًا مِنْ يَدِهِ ، وَنَظَرَ إلَيْهِمْ نَظْرَةً وَإِلَى
الْخَادِمِ أُخْرَى ـ فَوَقَعَ مَيْتًا *
وَنَظَرَ إِلَى اْلإِبْرِْيقِ نَظْرَةً أُخْرَى ، فَدَارَ وَطَافَ اْلإِبْرِيْقُ وَحْدَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ
* وَمِنْ كَرَامَاتِهِ ؛ أَنَّ أَبَا
الْمُظَفَّرِ حَسَنَ ابْنَ تَمِيْمٍ نالْبَغْدَادِيَّ التَّاجِرَ جَاءَ
إلَى الشَّيْخِ حَمَّادٍ بْنِ مُسْلِمٍ ابْنِ دَرْوَةَ الدَّبَّاسِ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى فِيْ سَنَةِ إحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ * وَقَالَ لَهُ : يَا سَيِّدِيْ قَدْ جُهِّزَتْ لِيْ
قَافِلَةٌ إلَى الشَّامِ فِيْهَا بِضَاعَةٌ بِسَبْعِمِائَةِ دِيْنَارٍ * فَقَالَ : إِنْ سَافَرْتَ فِيْ هَذِهِ السَّنَةِ
قُتِلْتَ وَأُخِذَ مَالُكَ * فَخَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِ مَغْمُوْمًا * فَوَجَدَ فِي
الطَّرِيْقِ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِر ـ وَهُوَ شَابٌّ يَوْمَئِذٍ * فَحَكَى لَهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ حَمَّادٌ * فَقَالَ لَهُ : سَافِرْ تَذْهَبْ سَالِمًا * وَتَرْجِعْ غَانِمًا *
وَالضَّمَانُ عَلَيَّ فِيْ ذلِكَ * فَسَافَرَ
إلَى الشَّامِ ، وَبَاعَ بضَاعَتَهُ بأَلْفِ دِيْنَار *
وَدَخَلَ يَوْمًا إِلَى سِقَايَةٍ فِيْ حَلَبَ لِقَضَاءِ حَاجَةِ اْلإِنْسَانِ * وَوَضَعَ أَلْفَ دِيْنَارٍ عَلَى رَفٍّ مِنَ
السِّقَايَةِ * وَخَرَجَ وَتَرَكَهَا نَاسِيًا
* وَأَتَى إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَأُلْقِيَ
عَلَيْهِ النُّعَاسُ * فَنَامَ فَرَأَى فِيْ
مَنَامِهِ كَأَنَّهُ فِيْ قَافِلَةٍ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ * وَانْتَهَبُوْهَا وَقَتَلُوْا مَنْ فِيْهَا * وَأَتَاهُ أَحَدُهُمْ فَضَرَبَهُ بِحَرْبَةٍ
فَقَتَلَهُ ـ فَانْتَبَهَ فَزِعًا * وَوَجَدَ
أَثَرَ الدَّمِ فِيْ عُنُقِهِ ، وَأَحَسَّ باْلأَلَمِ *
وَذكَرَ اْلأَلْفَ فَقَامَ مُسْرِعًا إلَى السِّقَايَةِ *
فَوَجَدَهَا فِيْ مَكَانِهَا سَالِمًا * وَرَجَعَ
إلَى بَغْدَادَ ، فَلَمَّا دَخَلَهَا قَالَ فِيْ نَفْسِهِ : إنْ بَدَأْتُ
بالشَّيْخِ حَمَّادٍ فَهُوَ اْلأَسَنُّ *
وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِر فَهُوَ الَّذِيْ صَحَّ كَلاَمُهُ * فَلَقِيَ الشَّيْخَ حَمَّادًا فِيْ أَثْنَاءِ
تَرْدِيْدِ الْخَاطِرِ فِيْ سُوْقِ السُّلْطَانِ *
فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا الْمُظَفَّرِ ! ابْدَأْ بعَبْدِ الْقَادِرِ ـ فَإنَّهُ
مَحْبُوْبٌ * وَلَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ فِيْكَ
سَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً ـ حَتَّى جُعِلَ مَا قُدِرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقَتْلِ
يَقَظَةً مَنَامًا * وَمِنَ الْفَقْرِ
عِيَانًا نِسْيَانًا * وَجَاءَ إلَى الشَّيْخِ
عَبْدِ الْقَادِر * فَقَالَ لَهُ ابْتِدَاءً * قَالَ لَكَ الشَّيْخُ حَمَّادٌ : إنَّنِيْ
سَأَلْتُ اللَّهَ فِيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً *
وَعِزَّةِ الْمَعْبُوْدِ ، لَقَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِيْكَ سَبْعَ
عَشَرَةَ وَسَبْعَ عَشَرَةَ مَرَّةً ، إلَى تَمَامِ سَبْعِيْنَ مَرَّةً * حَتَّى كَانَ مَا ذكَرَهُ * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أيْضًا ؛
أَنَّ الشَّيْخَ عَلِيًّا نالْهَيْتِيَّ ، وَالشَّرِيْفَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ أبَا الْغَنَائِمِ الْحَسَنِيَّ ـ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى ـ دَخَلاَ دَارَ الشَّيْخِ
قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ * فَوَجَدَا إِنْسَانًا
شَابًّا مُلْقًى عَلَى قَفَاهُ * فَقَالَ
لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ نالْهَيْتِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا
سَيِّدِيْ اشْفَعْ لِيْ عِنْدَ الشَّيْخِ *
فَلَمَّا ذكَرَهُ لَهُ ، وَهَبَهُ لَهُ بقَوْلِهِ : قَدْ وَهَبْتُهُ لَهُ * فَخَرَجَا إلَى الرَّجُلِ الْمُلْقَى ، وَعَرَّفَاهُ
بِذلِكَ * فَقَامَ الرَّجُلُ ، وَخَرَجَ مِنْ كُوَّةٍ فِي الدِّهْلِيْزِ ، وَطَارَ فِي
الْهَوَاءِ * فَرَجَعَا إلَى الشَّيْخِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ * وَسَأَلاَهُ عَنْ حَالِ
الرَّجُلِ # *: إنَّهُ مَرَّ فِي الْهَوَاءِ ،
وَقَالَ فِيْ نَفْسِهِ "مَا فِيْ بَغْدَادَ رَجُلٌ مِثْلِيْ" فَسَلَبْتُهُ
حَالَهُ * وَلَوْ لاَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ مَا
رَدَدْتُهُ لَهُ * وَمِنْ كَرَامَاتِهِ أيْضًا
؛ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْمَعْرُوْفَ بابْنِ الطَّنْطَنَةِ
الْبَغْدَادِيَّ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ قَالَ يَوْمَ وَفَاةِ الشَّيْخِ
عَبْدِ الْقَادِر قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ وَنَوَّرَ ضَرِيْحَهُ : كُنْتُ أَشْتَغِلُ
باِلْعِلْمِ وَأُكْثِرُ السَّهَرَ أَتَرَقَّبُ حَاجَةً لَهُ * فَخَرَجَ لَيْلَةً مِنْ دَارهِ فِيْ صَفَرَ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ *
فَنَاوَلْتُهُ إبْرِيْقًا ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ *
وَقَصَدَ بَابَ الْمَدْرَسَةِ ، فَأَشَارَ إلَيْهِ ، فَانْفَتَحَ * وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ * وَأنَا أقُوْلُ فِيْ نَفْسِيْ "إنَّهُ لاَ
يَشْعُرُ بيْ" ثُمَّ انْغَلَقَ * ثُمَّ
بَابَ الْمَدِيْنَةِ كَذلِكَ * ثُمَّ مَشَى
غَيْرَ بَعِيْدٍ * فَإِذَنْ نَحْنُ بِبَلْدَةٍ
لاَ أَعْرِفُهَا * فَدَخَلَ مَكَانًا
كَالرِّبَاطِ * فَإذاً فِيْهِ سِتَّةٌ مِنْ
رجَال قُعُوْدٍ *
فَلَمَّا رَأَوُا الشَّيْخَ عَظَّمُوْهُ وَبَادَرُوْهُ بالسَّلاَمِ إِلَيْهِ * وَالْتَجَأْتُ إِلَى سَاريَةٍ ، فَسَمِعْتُ أَنِيْنًا
مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ* ثُمَّ بَعْدَ يَسِيْرٍ
سَكَنَ ذَلِكَ اْلأَنِيْنُ * ثُمَّ دَخَلَ
رَجُلٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِيْ فِيْهَا اْلأَنِيْنُ * وَخَرَجَ يَحْمِلُ رَجُلاً مِنْ ذلِكَ الْجَانِبِ * وَدَخَلَ شَخْصٌ مَكْشُوْفُ الرَّأْسِ طَوِيْلُ
الشَّاربِ * فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَي الشَّيْخِ * فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ بالشَّهَادَتَيْنِ * وَقَصَّ رَأْسَهُ وَشَاربَهُ ، وَأَلْبَسَهُ
طَاقِيَةً ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا * وَقَالَ
لِلسِّتَّةِ : قَدْ أمَرْتُ أنْ يَكُوْنَ هَذَا بَدَلاً عَنِ الْمَيِّتِ * فَقَالُوْا : سَمْعًا وَطَاعَةً * ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُمْ ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ * وَمَشَيْنَا غَيْرَ بَعِيْدٍ * وَإِذَنْ نَحْنُ عِنْدَ بَابِ بَغْدَادَ * فَانْفَتَحَ كَأَوَّل مَرَّةٍ * ثُمَّ أَتَى بَابَ الْمَدْرَسَةِ كَذلِكَ * فَدَخَلَ دَارَهُ * ثُمَّ
فِي الْغَدِ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَقْرَأُ ، فَمَنَعَتْنِيْ هَيْبَتُهُ * فَقَالَ : يَا بُنَيَّ اقْرَأْ وَلاَ عَلَيْكَ ! * فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِيْ مَا
رَأَيْتُ باْلأَمْسِ * فَقَالَ : أمَّا
الْبَلَدُ فَنَهَاوَنْدُ * وَأَمَّا
السِّتَّةُ فَهُمُ اْلأَبْدَالُ النُّجَبَاءُ *
وَأَمَّا صَاحِبُ اْلأَنِيْنِ فَسَابِعُهُمْ ـ كَانَ مَرِيْضًا * فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جِئْتُ أَحْضُرُ
وَفَاتَهُ * وَأَمَّا الَّذِيْ حَمَلَهُ عَلَى
عَاتِقِهِ فَأَبُو الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ * أَخَذَهُ لِيَتَوَلَّى أَمْرَهُ * وَأَمَّا الَّذِيْ أَخَذْتُ عَلَيْهِ الْعَهْدَ
فَنَصْرَانِيٌّ مِنَ الْقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ *
أَمَرْتُ أَنْ يَكُوْنَ عِوَضًا عَنِ الْمُتَوَفَّى ـ وَهُوَ اْلآنَ مِنْهُمْ * قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : وَأَخَذَ عَلَيَّ
الْعَهْدَ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بذلِكَ لأَحَدٍ مَا دَامَ حَيًّا * وَقَالَ : احْذَرْ مِنْ إِفْشَاءِ السِّرِّ فِيْ
حَيَاتِيْ * وَذكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ
الْمُوْصَلِيُّ : أَنَّ اْلإِمَامَ الْمُسْتَنْجِدَ باللَّهِ أَبَا الْمُظَفَّرِ
يُوْسُفَ جَاءَ إِلَى الشَّيْخِ ـ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ * وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْصَاهُ * وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَالاً فِيْ عَشَرَةِ أَكْيَاسٍ
يَحْمِلُهَا عَشَرَةٌ مِنَ الْخُدَّامِ *
فَرَدَّهَا الشَّيْخُ * فَأَبَى الْخَلِيْفَةُ
إلاَّ أنْ يَقْبَلَهَا ، وَألَحَّ عَلَى الشَّيْخِ *
فَأَخَذ الشَّيْخُ كِيْسَيْنِ مِنْهَا فِيْ يَدَيْهِ *
وَهُمَا خَيْرُ اْلأَكْيَاسِ وَأَحْسَنُهَا ، وَعَصَرَهُمَا ، فَسَالاَ دَمًا * فَقَالَ الشَّيْخُ لِلْخَلِيْفَةِ : أَمَا
تَسْتَحِيْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَأْخُذَ دَمَ النَّاسِ وَتُقَابلَنِيْ بهِ
؟ * فَغُشِيَ الْخَلِيْفَةُ فِي الْحَالِ * فَقَالَ الشَّيْخُ : وَعِزَّةِ الْمَعْبُوْدِ ،
لَوْلاَ حُرْمَةُ اتِّصَالِهِ برَسُوْل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، لَتَرَكْتُ الدَّمَ يَجْرِيْ إِلَى مَنْزِلِهِ *
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُوْرُ : وَشَهِدْتُ الْخَلِيْفَةَ عِنْدَهُ يَوْمًا * فَقَالَ لِلشَّيْخِ : أُرِيْدُ شَيْئًا مِنَ
الْكَرَامَاتِ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِيْ * قَالَ : وَمَا تُريْدُ ؟ *
قَالَ : تُفَّاحًا مِنَ الْغَيْبِ ـ وَلَمْ يَكُنْ أَوَانَهُ باِلْعِرَاقِ * فَمَدَّ الشَّيْخُ يَدَهُ فِي الْهَوَاءِ * فَإِذاً فِيْهَا تُفَّاحَتَانِ ، فَنَاوَلَهُ إِحْدَاهُمَا
* وَكَسَرَ الشَّيْخُ الَّتِيْ فِيْ يَدِهِ ،
فَإذاً هِيَ بَيْضَاءُ تَفُوْحُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ * وَكَسَرَ الْخَلِيْفَةُ اْلأُخْرَى ، فَإذاً
فِيْهَا دُوْدَةٌ * فَقَالَ : مَا هَذِهِ
وَالَّتِيْ بيَدِكَ كَمَا تَرَى ؟ ـ أَوْ قَالَ : كَمَا أَرَى * قَالَ الشَّيْخُ : يَا أَبَا الْمُظَفَّرِ! هَذِهِ
لَمَسَتْهَا يَدُ الظَّالِمِ فَدَوَّدَتْ كَمَا تَرَى ، وَهَذِهِ لَمَسَتْهَا يَدُ
الْوِلاَيَةِ فَطَابَتْ * وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
قِصَّةُ التُّفَّاحِ الَّذِيْ جَاءَ بهِ الْخَلِيْفَةُ لِلشَّيْخِ * وَكَرَامَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى * وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى * رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنَّا بِرِضَائِهِ
الرَّفِيْعِ * وَأَمَدَّنَا بِمَدَدِهِ الْوَسِيْعِ
*
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Silahkan tinggalkan komentar anda untuk menambah silaturahim.