اللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ * وَأمِدَّنَا باْلأَسْرَار الَّتِيْ أوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ
وُلِدَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بـجِيْلاَنَ * وَهِيَ
بلاَدٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ وَرَاءِ طَبَرِسْتَانَ *
فِيْ سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأرْبَعِمِائَةٍ *
وَكَانَ فِيْ طُفُوْلِيَّتِهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فِيْ نَهَار رَمَضَانَ
، عِنَايَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالى بهِ *
وَلَمَّا تَرَعْرَعَ وَسَارَ إلى طَلَبِ الْعُلُوْمِ *
وَقَصَدَ كُلَّ مِفْضَالٍ عَلِيْمٍ * وَمَدَّ يَدَهُ إلَى الْفَضَائِلِ فَكَانَ أسْرَعَ
مِنْ خَطْوِ الظَّلِيْمِ * وَتَفَقَّهَ بأبي
الْوَفَى عَلِيِّ بْنِ عَقِيْلٍ * وَأبي
الْخَطَّابِ الْكَلْوَذاَنِيِّ مَحْفُوْظِ بْنِ أحْمَدَ الْجَلِيْلِ * وَأبي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاضِيْ أبي
يَعْلَى * وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تُنَصُّ
لَدَيْهِ عَرَائِسُ الْعُلُوْمِ وَتُجَلَّى * وَقَرَأ
اْلأَدَبَ عَلَى أبي زَكَرِيَّا يَحْيَى ابْنِ عَلِيٍّ نالتِّبْرِيْزِيِّ
* وَاقْتَبَسَ
مِنْهُ أيَّ اقْتِبَاسٍ * وَأخَذَ
عِلْمَ الطَّرِيْقَةِ عَنِ الْعَارفِ باللَّهِ الشَّيْخِ أبي الْخَيْرِ حَمَّادِ
بْنِ مُسْلِمٍ نالدَّبَّاسِ
* وَلَبسَ
مِنْ يَدِ الْقَاضيْ أبيْ سَعِيْدٍ نالْمُبَارَكِ الْخِرْقَةَ
الشَّرِيْفَةَ الصُّوْفِيَّةَ *
وَتَأَدَّبَ بآدَابهِ الْوَفِيَّةِ * وَلَمْ
يَزَلْ مَلْحُوْظًا بالْعِنَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ *
عَارجاً فِيْ مَعَارجِ الْكَمَالاَتِ بهِمَّتِهِ اْلأَبيَّةِ * آخِذًا نَفْسَهُ بالْجِدِّ * مُشَمِّرًا عَنْ سَاعِدِ اْلاِجْتِهَادِ * نَابذًا لِمَأْلُوْفِ اْلإِسْعَافِ وَاْلإِسْعَادِ
* حَتَّى أنَّهُ مَكَثَ خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً سَائِرًا فِيْ صَحْرَاءِ الْعِرَاقِ وَخَرَابَاتِهِ * لاَ يَعْرِفُ النَّاسَ وَلاَ يَعْرِفُوْنَهُ * فَيَعْذِلُوْنَهُ عَنْ أمْرِهِ وَيَصْرِفُوْنَهُ * وَقَاسَى فِيْ بدَايَةِ أمْرِهِ اْلأَخْطَارَ * فَمَا تَرَكَ هَوْلاً إلاَّ رَكِبَهُ ، وَقَفَّرَ مِنْهُ الْقِفَارَ * وَكَانَ لِبَاسُهُ جُبَّةَ صُوْفٍ ، وَعَلَى
رَأسِهِ خُرَيْقَةٌ ، يَمْشِيْ حَافِيًا فِي الشَّوْكِ وَالْوَعْرِ * لِعَدَمِ وجْدَانِهِ نَعْلاً يَمْشِيْ فِيْهَا ،
وَيَقْتَاتُ ثَمَرَ اْلأَشْجَار ، وَقُمَامَةَ الْبَقْلِ التُّرْمَى ، وَوَرَقَ
الْحَشِيْشِ مِنْ شَاطِئِ النَّهْرِ * وَلاَ
يَنَامُ غَالِبًا وَلاَ يَشْرَبُ الْمَاءَ * وَبَقِيَ
مُدَّةً لَمْ يَأْكُلْ فِيْهَا طَعَامًا *
فَلَقِيَهُ إنْسَانٌ فَأَعْطَاهُ صُرَّةَ دَرَاهِمَ إكْرَامًا * فَأَخَذَ ببَعْضِهَا خُبْزًا سَمِيْدًا وَخَبيْصًا
* وَجَلَسَ لِيَأْكُلَ ، وَإذًا برُقْعَةٍ
مَكْتُوْبٍ فِيْهَا : إنَّمَا جُعِلَتِ الشَّهَوَاتُ لِضُعَفَاءِ عِبَادِيْ ،
لِيَسْتَعِيْنُوْا بهَا عَلَى الطَّاعَاتِ *
وَأمَّا اْلأَقْوِيَاءُ فَمَا لَهُمُ الشَّهَوَاتُ *
فَتَرَكَ اْلأَكْلَ ، وَأخَذَ الْمِنْدِيْلَ ، وَتَرَكَ مَا كَانَ فِيْهِ ،
وَتَوَجَّهَ فِي الْقِبْلَةِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ * وَفَهِمَ أنَّهُ
مَحْفُوْظٌ وَمُعْتَنًى بهِ ، وَعَرَفَ *اللَّهُمَّ انْشُرْ نَفَحَاتِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِ * وَأمِدَّنَا باْلأَسْرَار الَّتِيْ أوْدَعْتَهَا لَدَيْهِ
وَرَافَقَهُ الْخَضِرُ ـ عَلَى نَبيِّنَا
وَعَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ـ أوَّلَ دُخُوْلِهِ الْعِرَاقَ * وَلَمْ يَكُنِ الشَّيْخُ يَعْرِفُهُ ، وَشَرَطَ
عَلَيْهِ الْخَضِرُ أنْ لاَ يُخَالِفَهُ
وَالْمُخَالَفَةُ سَبَبُ الْفِرَاقِ * فَقَالَ
لَهُ الْخَضِرُ : اقْعُدْ هَهُنَا ! *
فَقَعَدَ فِي الْمَكَانِ الَّذِيْ أشَارَ إلَيْهِ بالْقُعُوْدِ ـ فِيْهِ ثَلاَثَ
سِنِيْنَ يَأْتِيْهِ فِيْ كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً *
وَيَقُوْلُ لَهُ : لاَ تَبْرَحْ عَنْ مَكَانِكَ حَتَّى آتِيَكَ * وَنَامَ مَرَّةً فِيْ إيْوَانِ كِسْرَى مِنَ
الْمَدَائِنِ فِيْ لَيْلَةٍ بَاردَةٍ ، فَاحْتَلَمَ وَذَهَبَ إلَى الشَّطِّ
وَاغْتَسَلَ * ثُمَّ نَامَ ، فَاحْتَلَمَ
وَذَهَبَ إلَى الشَّطِّ وَاغْتَسَلَ *
وَوَقَعَ لَهُ ذلِكَ فِيْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أرْبَعِيْنَ مَرَّةً * ثُمَّ صَعِدَ عَلَى جِدَار الإِيْوَانِ خَوْفًا
مِنَ النَّوْمِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةْ *
وَكَانَ كُلَّمَا أحْدَثَ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ * وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى حَدَثٍ قَطُّ * وَلَمْ يَزَلِ اْلاِجْتِهَادُ دَأبَهُ حَتَّى
طَرَقَهُ مِنَ اللَّهِ الْحَالُ * وَآنَ
أوَانُ الْوِصَالِ * وَبَدَتْ لَهُ أنْوَارُ
الْجَمَالِ * فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ
الْوَجِيْهِ * لاَ يَعِيْ غَيْرَ مَا هُوَ
فِيْهِ * وَيَتَظَاهَرُ بالتَّخَارُسِ
وَالْجُنُوْنِ ، حَتَّى حُمِلَ إلَى الْمَارَسْتَانِ مَرَّاتٍ إلى أن اشْتَهَرَ
أمْرُهُ * وَفَاقَ أهْلَ عَصْرِهِ عِلْمًا
وَعَمَلاً وَزُهْدًا وَمَعْرِفَةً وَريَاسَةً وَقَبُوْلاً * وَطَارَ صِيْتُهُ ، وَسَارَ ذِكْرُهُ مَسِيْرَ الشَّمْسِ * وَحُكِيَ أنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ مِائَةُ فَقِيْهٍ
مِنْ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ * وَجَمَعَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِدَّةَ مَسَائِلَ *
وَجَاؤُا إلَيْهِ لِيَمْتَحِنُوْهُ * فَلَمَّا
اسْتَقَرُّوْا أطْرَقَ الشَّيْخُ ، فَظَهَرَتْ مِنْ صَدْرهِ بَارقَةٌ مِنْ نُوْر * فَمَرَّتْ عَلَى صُدُوْر مِائَةِ فَقِيْهٍ ،
فَمَحَتْ مَا فِيْ قُلُوْبهِمْ ، وَبُهِتُوْا وَاضْطَرَبُوْا وَصَاحُوْا
صَيْحَةً وَاحِدَةً * وَمَزَّقُوْا
ثِيَابَهُمْ * وَكَشَفُوْا رُؤُوْسَهُمْ * ثُمَّ صَعِدَ الشَّيْخُ عَلَى الْكُرْسِيِّ ،
وَأجَابَ عَنْ جَمِيْعِ مَسَائِلِهِمْ * فَاعْتَرَفُوْا
بفَضْلِهِ ، وَخَضَعُوْا لَهُ مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ *
وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأ فِيْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ عِلْمًا * التَّفْسِيْرَ وَالْحَدِيْثَ وَالْخِلاَفَ
وَاْلأُصُوْلَ وَالنَّحْوَ وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذلِكَ * وَكَانَ يُفْتِيْ عَلَى مَذْهَبِ اْلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ،
وَاْلإِمَامِ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا * وَكاَنَ عُلَمَاءُ الْعِرَاقِ يَتَعَجَّبُوْنَ
مِنْ فَتْوَاهُ * وَيَقُوْلُوْنَ : سُبْحَانَ
مَنْ أعْطَاهُ * وَرُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً
سُؤَالٌ عَجَزَ الْعُلَمَاءُ عَنْ جَوَابهِ *
صُوْرَتُهُ : رَجُلٌ حَلَفَ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ ، أنَّهُ لاَ بُدَّ أنْ
يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى عِبَادَةً يَنْفَرِدُ بهَا دُوْنَ الْخَلاَئِقِ
أجْمَعِيْنَ فِيْ ذلِكَ الْوَقْتِ * فَمَا
خِلاَصُهُ ؟ * فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَلَى الْفَوْر * خِلاَصُهُ أنْ يَأْتِيَ
مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ * وَيُخَلِّيَ
الْمَطَافَ لَهُ * فَيَطُوْفَ أسْبُوْعًا
وَاحِدَةً * وَتَنْحَلُّ يَمِيْنُهُ * فَلِلَّهِ دَرُّهُ *
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ *
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Silahkan tinggalkan komentar anda untuk menambah silaturahim.